بناية المحاكم المدنية القديمة أو المركز الثقافي البغدادي
بناية المحاكم المدنية القديمة أو المركز الثقافي البغدادي
الباحث البغدادي معتصم المفتي
تقع هذه البناية التراثية جنوبي بناية السراي في نهاية شارع المتنبي شارع الثقافة ببغداد،يحدها جنوباً جامع السراي،ويطل ضلعها الغربي على نهر دجلة فيضفي عليها جمالا ورونقاً يسر الناظرين واما ضلعها الشرقي فيلاصق سوق السراي،اما واجهة البناية الشمالية وفيها الباب الرئيسي فتقع قبالة الباب الجنوبي لبناية السراي ويفصل بينهما امتداد شارع المتنبي حتى النهر حيث يشمخ تمثال الشاعر ابي الطيب المتنبي . نبذة تاريخية : حين اتجهت الدولة العثمانية لتطوير التعليم العسكري انشأ الجيش التركي في بغداد المدارس الرشدية العسكرية وكانت مدرستين، الاولى في بغدلد والثانية في السليمانية واحتلت المدرسة الرشدية العسكرية بناية دائرة الدفترخانة وهي تعنى بحفظ وتدقيق سجلات الاراضي والشؤون المالية ,وفي عهد الوالي عبد الرحمن باشا تم تأسيس الاعدادية العسكرية في المبنى نفسه وذلك في سنة 1879 م. وتم في عهد الوالي مدحت باشا 1881 بناء المدرسة، وقد اكمل المشير فوزي باشا الذي خلف مدحت باشا البناء ووضع خانة على الباب فيها خمسة أبيات تركية تشير الى سنة البناء 1296 رومية وتقابل 1281 هجرية 1881 ميلادية وفيها ان المشير فوزي باشا هو من انشأ المبنى، وفي سنة 1310 -1893 هجرية انتقلت المدرسة الرشدية الى بناية اخرى في محلة الميدان ومقابل البريد المركزي القديم وعلى انقاض المدرسة الرشدية العسكرية القديمة بنيت الاعدادية المركزية القائمة الى اليوم، وفي سنة 1914 توقفت المدرسة لإندلاع الحرب العالمية الاولى وتحولت الى مستشفى وفي العهد الوطني سنة 1921 اتخذت داراً لوزارة العدلية والاوقاف والمحاكم المدنية والمميز الشرعي والمحكمة الجعفرية كما شغلتها دوائر وزارة العدل الاخرى ومجلس شورى الدولة ومحكمة إستئناف بغداد الرصافة ومخازن وارشيف وزارة العدل بالاضافة الى نقابة المحامين، فقد كانت تشغل اكثر من غرفة في هذا المبنى واستمرت المحاكم قائمة فيها حتى سنة 1987 م. استخدام المبنى وكان الطابق الغربي من البناية الجانب الغربي المطل على النهر خاصا بغرف الدراسة،اما الجانب الجنوبي الملاصق لجامع الوزير ففيه المطعم وبيت المؤنة والمطبخ،والجانب الشرقي الملاصق لسوق السراي ففيه الحمام والسجن وغرف الخدم،والجانب الشمالي جهة الباب الرئيسي ففيه غرف الضباط ومخزن الالبسة والكتب والاستقبال . اما الطابق العلوي فخاص بغرف النوم وفي الزاوية الجنوبية الشرقية غرفة الطبيب والجراح وغرفة للمرضى ,وفي الركن الشمالي غرفة المشير (قائد الفيلق السادس )وفوق جهة الباب غرفة المدير والمعلمين . لقد قدمت هذه المدرسة اعدادا كبيرة من الضباط نالوا مناصب عالية في الدولة العراقية عند تشكيل الحكومة وفي مقدمتهم ياسين الهاشمي ونوري سعيد وجعفر العسكري وعبد المحسن السعدون وجميل المدفعي ومولود مخلص وجميل الراوي ورشيد الخوجة والمورخ محمد روؤف الشيخلي مؤلف المعجم الجغرافي لمدينة بغداد القديمة . وصف عمارة البناية تحتل بناية المدرسة قطعة من الارض مستطيلة الشكل ابعادها 76×58 مترا تتوسطها مساحة يطل عليها البناء المتكون من طابقين الطابق الارضي يحتوي على مجموعة من الغرف القاعات تقوم امامها الاروقة ترتكز على 42 دعامة مستطيلة الشكل على غرار عقود بناية القشلة ,تحمل هذه العقود الطارمة في الطابق العلوي وتمتاز الطارمات العلوية عن الأروقة الارضية بان اعمدتها من الخشب الذي يغلف اعمدة حديدية وفي اعلاها تيجان خشبية يبلغ عدهها 42 عمودا ايضا . ويقع مدخل البناية في الضلع الشمالي مقابل الباب الجنوبي لبناية القشلة ويؤدي الباب الى دهليز عريض ينفتح على الساحة الداخلية للبناية . وتبلغ مساحة البناء الكلية 6000 م/اما مساحة الارض المبنية فتبلغ 3500 م/ فيما تبلغ مساحة الحديقة الخارجية المطلة على النهر ويحتوي المبنى على 15 غرفة مساحتها 16-36 م . واستخدم في البناء الطابوق الفرشي كمادة رئيسية لتشييد الجدران واستخدم كذلك في القواطع والعقود وفي الارضيات ايضا كما استخدم الجص كمادة رابطة /كما استخدمت النورة والرماد كمادة رابطة في بناء اسس الجدران ولغاية ارتفاع متر واحد عن الارض لحماية الجدران من الرطوبة وهي طريقة متوارثة منذ العهود العباسية حيث كانوا يخلصون من الرماد العضوي الناتج عن حمامات بغداد الكثير مع النورة لتكون مادة ربط صلبة، وقد استخدم الجص المسلح بجريد النخيل لعمل القواطع بين الغرف كما تم استخدام الخشب في التسقيف حيث استخدمت جسور خشبية ضخمة من الخشب الجاوي في تسقيف القاعات واستخدام خشب القائم المحلي كبرواز في هذه القاعات وكمادة أساسية في تسقيف الغرف الصغيرة ويوضع الحصران فوق الواح خشبية تحملها روافد القوغ ثم طبقه من الطين . وفي الفترات اللاحقة تم استخدام السمنت والشيلمان كما استخدم الكونكريت المسلح لبناء الجسور والاعمدة في المرحلة الاربعينات من القرن الماضي . ترميم المبنى قامت الهيئة العامة للتراث منذ عام 1992 باعمال صيانة المبنى وازالة المباني التي اضيفت اليها في فترات متاخرة واستمرت اعمال الصيانة حتى عام 1995 شملت تقوية اسس الجدران وصيانة الاروقة واعمدتها ,وفي الطابق العلوي جرت صيانة جدران الغرف وتثبيت الجسور الحديدية وصيانة السطح وبناء ستارة له وصيانة الابواب والشبابيك ومعالجة افة الارضة التي عبثت بمواد البناء الخشبية وتسبب في انهيار السقوف الخشبية /كما دخلت الى جدران فقامت الهيئة بمكافحة الارضة وكان للرطوبة دور كبير في التاثير على البناء مما استدعى معالجتها ولبخ الاسس بالسمنت . المركز الثقافي البغدادي قامت محافظة بغداد بإعادة وتأهيل البناية وتحويلها الى مركز ثقافي متطور وقامت بافتتاح اربع قاعات في الطابق العلوي لتكون قاعات للمحاضرات وهي قاعة الدكتور مصطفى جواد للدراسات التاريخية واللغوية وقاعة الدكتور علي الوردي للدراسات الاجتماعية وقاعة جواد سليم للدراسات الفنية وقاعة نازك الملائكة للشعر . فيما تم افتتاح (مكتبة بغداد )في الطابق العلوي تجمع التراث البغدادي وما كتب عن مدينة السلام الخالدة وتمتاز بكتبها المنوعة وخزائنها الفاخرة وقاعة المطالعة الكبيرة كما انها تسعى لجمع مكتبات الباحثين المعروفين . وقد تم افتتاح هذه المرافق الثقافية هذا العام 2011 ليتحول المبنى الى مركز ثقافي المتكامل وهو الاول في تاريخ العراق.